توقعات 2025: خطوات جادة نحو التوازن الاقتصادي
بقلم: كريس بورتر، أمين صندوق مجموعة عبد الواحد الرستماني

مع بداية العام الاقتصادي الجديد، من المهم التأمل في الأداء وتحركات السوق التي شهدناها خلال العام الماضي. يتفق خبراء الاقتصاد العالمي على أن عام 2024 شهد أحداثاً واتجاهات كبيرة على مستوى الاقتصاد الكلي؛ فقد شهدنا تراجعاً في معدلات التضخم، الأمر الذي دفع البنوك المركزية حول العالم إلى خفض أسعار الفائدة، ومع ذلك، ظل التضخم الأساسي مرتفعاً لا يتزحزح نحو نهاية عام 2024 وأعلى من مستوى 2% المستهدف من قِبَل البنوك المركزية الرئيسية. وصل الدين العالمي إلى مستويات غير مسبوقة؛ مما أثار مخاوف مشروعة بشأن استقرار الاقتصاد الكلي العالمي. حققت أسهم عمالقة التكنولوجيا السبعة العظام -ما يُعرف بـ"Magnificent 7"- زيادة بنسبة 25% في القيمة السوقية لمؤشر S&P 500، في حين شهدت العملات المشفرة والذهب عاماً حافلاً بالأرقام القياسية.
تميَّز العام أيضاً بعدد غير مسبوق من الانتخابات حول العالم؛ مما أدى إلى حدوث تغيُّرات سياسية أضافت المزيد من الغموض إلى الأسواق العالمية، من بينها عودة دونالد ترامب إلى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، في خطوة أنذرت بتحوُّلات محتملة في السياسات التجارية والمالية والجيوسياسية. بالإضافة إلى ذلك، تصاعدت التوترات الجيوسياسية، لا سيما في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط؛ مما أسهم في زيادة تقلبات الأسواق وأثر على أسعار الطاقة. في المحصلة: كان عاماً حافلاً بالإنجازات والتحديات، وبالتحسُّن وعدم اليقين.
في ظل هذه الخلفية، هل نتوقع أن يواصل الاقتصاد العالمي مساره الحالي، أم نحن على أعتاب مرحلة تحوُّل جديدة؟
التضخم: نظرة حذرة
بعد جائحة كوفيد-19، ارتفع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ عام 1981؛ فقد كان العالم يعاني للتعافي من آثار الجائحة. وفي عام 2022، أدى اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى تفاقم الضغوط التضخمية بسبب تأثيرها على أسعار الطاقة وسلاسل التوريد التي كانت منهكة بالفعل.
بعد هذه الفترة الممتدة من التضخم المرتفع، تشير التوقعات لعام 2025 إلى تفاؤل حذر بأن الأسوأ قد مضى. يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضاً مستمراً في مؤشر أسعار المستهلك خلال عام 2025، متجهاً نحو مستويات التضخم المستهدفة البالغة 2%. مع ذلك، فإن التضخم الأساسي -الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة- لا يزال ثابتاً لا يتزحزح عن مستوياته المرتفعة؛ مما يشير إلى أن الضغوط التضخمية لم يتم كبحها بالكامل بعد. وفي ظل عوامل هيكلية مثل قوة أسواق العمل، والتداعيات الجيوسياسية، وتبني سياسات تجارية جديدة كالرسوم الجمركية، قد تستمر الضغوط التضخمية، ومن ثَمَّ تظل البنوك المركزية في حالة تأهب.
الاقتصاد الأمريكي: مواجهة التقلبات
أظهر الاقتصاد الأمريكي قدراً كبيراً من القوة والصمود في مواجهة التحديات العالمية. ورغم التوقعات بتباطؤ وتيرة النمو، لا يزال الاقتصاد الأمريكي نقطة مضيئة في المشهد الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، شكلت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض منعطفاً حاسماً في مسار الاقتصاد العالمي؛ إذ فاقمت حالة عدم اليقين في المستقبل.
أصبح واقع السياسات في الولايات المتحدة شديد الغموض؛ مما يجعل التنبؤات الاقتصادية التقليدية مهمة بالغة الصعوبة. ومع ذلك، فإن الأثر الكامل لسياسات ترامب في مجالات التجارة (الرسوم الجمركية) والهجرة والتنظيم لا يمكن رصده إلا مع مرور الوقت وبشكل متزامن مع تطورات الأحداث، إلا أنه من المتوقع أن يترك تداعيات واسعة النطاق على المستويين الداخلي والدولي.
الصين: تباطؤ في النمو
تواجه الصين -التي تأتي في المرتبة الثانية بعد أكبر اقتصاد في العالم- تباطؤاً ملحوظاً في النمو الاقتصادي؛ إذ تراجع إجمالي الناتج المحلي إلى ما دون الهدف الذي حددته الحكومة، وسط مخاوف متزايدة من الانكماش الاقتصادي واستمرار الأزمة في قطاع العقارات؛ حيث تكافح أكبر شركات التطوير العقاري لسداد الديون.
وفي محاولة لاستعادة الزخم الاقتصادي، أطلقت الحكومة في أواخر عام 2024 حزمة دعم ضخمة استهدفت زيادة الإنفاق على البنية التحتية، وخفض الضرائب، وتوفير تدابير لتحفيز الاستهلاك المحلي. ومع ذلك، فإن فاعلية هذه المبادرة لا تزال غير معروفة. يرى بعض المحللين أن هذه المبادرة ربما لا تعالج المشكلات الهيكلية الجوهرية التي يواجهها الاقتصاد، مثل ارتفاع ديون الحكومات المحلية وتراجع معدلات الإنتاجية.
ينطوي التباطؤ الكبير في الاقتصاد الصيني على مخاطر جسيمة للاقتصاد العالمي؛ فقد يؤثر على أسعار السلع الأساسية وتدفقات التجارة العالمية، ولا سيما في الأسواق الناشئة التي تعتمد بدرجة كبيرة على الطلب الصيني.
السياسة المالية
من المتوقع أن تواصل البنوك المركزية الكبرى، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنك إنجلترا، والبنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة خلال عام 2025. ومع ذلك، من المرجح أن تكون وتيرة الخفض تدريجية، في ظل سعي صنَّاع السياسات إلى تحقيق التوازن بين دعم النمو الاقتصادي وتجنُّب مخاطر عودة التضخم إلى معدلاته السابقة.
من المتوقع أن يحافظ الدولار الأمريكي على قوته في عام 2025؛ مما يشكل تحدياً للعملات الكبرى الأخرى. من المتوقع أن يواجه اليورو، والجنيه الإسترليني، واليوان الصيني صعوبات أمام الدولار الأمريكي. وقد يترتب على هذا التقلب في أسعار الصرف تأثيرات كبيرة على حركة التجارة الدولية وتدفقات الاستثمارات العالمية.
على الصعيد المحلي…
من المتوقع أن يواصل الاقتصاد الإماراتي أداءه القوي خلال عام 2025، بمعدل نمو سنوي يبلغ 4.5% وفقاً لتقديرات مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، مستفيداً من الزخم الحالي وجهود التنويع الإستراتيجي. من المتوقع أن يكون النمو مدفوعاً بمجموعة من العوامل، من أبرزها استمرار قوة الأداء في القطاعين النفطي وغير النفطي. بينما لا يزال القطاع النفطي يشكل جزءاً كبيراً من اقتصاد دولة الإمارات، أسفر التزام الدولة بتنويع مصادر الدخل بالفعل عن نتائج باهرة؛ إذ أصبح القطاع غير النفطي يلعب دوراً متزايد الأهمية، الأمر الذي يعكس تقدماً ملحوظاً في قطاعات رئيسية مثل السياحة، والعقارات، والخدمات المالية، والصناعات المتقدمة.
تُعد قيادة الحكومة ومبادراتها الإستراتيجية المستمرة من العناصر الأساسية في قوة الأداء الاقتصادي لدولة الإمارات؛ حيث تعكس التزاماً راسخاً بالتخطيط الاقتصادي الطويل المدى وتطبيق سياسات تدعم النمو المستدام. تُعد مبادرات مثل رؤية "نحن الإمارات 2031" -التي ترسم أهداف الدولة التنموية للعقد المقبل- مثالاً بارزاً على هذا النهج؛ إذ وضعت هدفاً طموحاً يتمثل في مضاعفة إجمالي الناتج المحلي للدولة من 1.49 تريليون درهم إلى 3 تريليونات درهم بحلول عام 2031، الأمر الذي يشكل خارطة طريق واضحة لمسار النمو الاقتصادي المستقبلي. تسهم هذه المبادرات -إلى جانب الاستثمارات المستمرة في مجالات التعليم، والبنية التحتية، والتكنولوجيا- في إرساء أسس قوية لازدهار دولة الإمارات ومستقبلها الواعد.
نظرة شاملة:
بوجه عام، يقدم المشهد الاقتصادي العالمي في عام 2025 صورة معقدة وديناميكية. ورغم وجود مؤشرات تدعو إلى التفاؤل الحذر، مثل تراجع معدلات التضخم وصلابة بعض الاقتصادات، إلا أن عوامل عدم اليقين لا تزال قائمة وبشكل ملحوظ. يُعد "تأثير ترامب" على السياسات الأمريكية، والتباطؤ الاقتصادي الصيني الممتد، والتوترات، والصراعات الجيوسياسية، إضافة إلى اتجاه أسعار الفائدة من العوامل التي يحتمل أن تؤثر تأثيراً سلبياً على الاقتصاد العالمي.
ستتطلب مواجهة هذه التحديات رصد المخاطر وتحليلها بدقة، إلى جانب اتباع نهج مرن يتكيف مع مُتغيِّرات المشهد. من الضروري لجميع الشركات والمستثمرين الاطلاع باستمرار على المستجدات، والمبادرة بتعديل الإستراتيجيات مسبقاً للازدهار في هذه البيئة المُتغيِّرة.
في جميع السيناريوهات، يُعد عام 2025 عاماً محورياً، وسيحظى أولئك القادرون على التكيُّف بفاعلية واغتنام هذه التحوُّلات بفرص أفضل لتحقيق نجاح مستدام على المدى الطويل.
